عتقد الخبراء والمراقبون أن البرازيل، خامس أكبر دولة في العالم، وسابع أكبر اقتصاد عالمي، سوف تكون واحدة من أهم القوى العالمية بحلول عام 2030. ورغم أنه حتى الآن تم إيلاء الكثير من الاهتمام إلى القوى الصاعدة الأخرى مثل روسيا والهند والصين، فقد تم في الغالب تجاهل البرازيل، وعدم تقديرها بالشكل الذي تستحقه وفقاً لما يقوله الصحفي الأمريكي مايكل ريد في عمله هذا، حيث يرى أن هذا البلد بدأ أخيراً بالارتقاء إلى مستوى إمكاناته، لكنه يواجه تحديات مهمة قبل أن يصبح دولة ذات أهمية كبرى، مؤكداً أن استضافته لكأس العالم في 2014، وحالياً الألعاب الأولمبية، يعد من أهم الاختبارات التي تكشف قدرة هذا البلد وشعبه على الصعود، والتغلب على المصاعب التي تواجهه.
بعد عقود من الحكم العسكري، تتمتع رابع ديمقراطية من الديمقراطيات الأكثر اكتظاظاً بالسكان، بقيادة إصلاحية فعالة تسعى إلى كبح جماح التضخم، وفتح البلاد على التجارة الحرة، ومواجهة الفقر والقضايا الاجتماعية الأخرى، مما يتيح للبرازيل أن تصبح أكثر من مشارك أساسي في الشؤون العالمية. ولكن في الوقت الذي استعدت فيه لاستضافة كأس العالم لكرة القدم في 2014 ودورة الألعاب الأولمبية 2016 التي تستضيفها في الوقت الراهن، شهدت البرازيل احتجاجات جماعية. يحاول هذا الكتاب العميق أن ينظر في المشكلات التي تقف في وجه البرازيل، حيث لا تزال هذه الدولة عاجزة بسياساتها عن القضاء على الفساد على نطاق واسع، ومعالجة بعض السياسات المختلة، فضلاً عن الجريمة العنيفة في مدنها، إلى جانب إنجازاتها المتمثلة في تقديم صورة مقربة تماماً من بلد ينبض بالحياة، وعلى وشك اتخاذ موقف قيادي على المسرح العالمي.
ومؤلف هذا العمل مايكل ريد بحكم زياراته الصحفية المستمرة منذ الثمانينات إلى البرازيل، وبقائه فيها من 1996 إلى 1999، واستمراره في متابعة شؤونها، خرج بهذا الكتاب في 352 صفحة من القطع المتوسط، طبعته ونشرته «مطبعة جامعة ييل» في 2014، وحدثته في طبعة جديدة في العام الجاري.
يشير ريد إلى أن شخصية البرازيل متفردة، إذ تجمع مزيجاً من الملامح الأوروبية والهندية والإفريقية، وبدرجة أقل اليابانية والشرق أوسطية، وعلى الرغم من هذا المزيج الهائل، فإنها أكثر قرباً للغرب من الصين والهند. وفوق كل هذا وذاك، فإنها من أكثر الأماكن في العالم التي يوجد فيها ترفيه، فضلاً عن موسيقاها الرائعة، وشهرتها العالمية بكرة القدم، كما أن الزائر لها يكتشف المطبخ الغني الذي تتميز به، والطبيعة الخلابة فيها.
يذكر الكاتب أن البرازيل بكل غناها، تعاني في الوقت ذاته بعض الجوانب الإشكالية، خاصة التفاوت الطبقي بين النخبة الثرية التي تتحكم بمفاصل الكثير من الأمور في الدولة، والطبقة الشعبية التي تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة، وخاصة في شمال شرق البرازيل، والتي تكون خارج الخريطة السياحية لأي زائر بسبب أعمال العنف فيها، ويمكن تصنيف البرازيل من بين أخطر البلدان في العالم، حيث يكون فيها الفقراء ضحية عنف الجرائم أكثر من الطبقة الوسطى.
ويعزو السبب إلى أن ريو دي جانيرو ببساطة أصبحت طريق النقل الرئيسي للكوكايين من كولومبيا إلى أوروبا، حيث تشكلت عصابات تهريب المخدرات من الشباب، وأصبحت هناك حروب فرعية خارجة عن سيطرة الشرطة وقوة فرض القانون التي أصبحت مشاركة في هذه اللعبة القذرة. كما أن الحرب الأمريكية على المخدرات تودي بحياة آلاف البرازيليين سنوياً، على غرار ما يجري في المكسيك.
ووسط هذه التحديات يحاول الكاتب أن يبين إذا ما كانت البرازيل كبلد له طموحات بأن يصبح قوة عظمى ذات تأثير عالمي، يستطيع تجاوز هذه التحديات الأمنية إلى جانب تعزيز قطاع الصحة والتربية والتعليم والبنية التحتية والمواصلات، وإذا ما كان يستطيع أن يحتل مكانة اقتصادية مؤثرة له تناسب إمكاناته الاقتصادية الهائلة، ويشير إلى أن استضافة كأس العالم في 2014، كان التحدي الأول في ضبط الأمن، والألعاب الأولمبية المقامة حالياً تشكل أيضاً التحدي الثاني، خاصة أن هناك احتجاجات مستمرة، وحالات عنف لم تتوقف.
يبين الكاتب أن البرازيل كانت تسير في الطريق الصحيح على الصعيد السياسي، حيث كانت تتجه في مسار إيجابي أواخر سنوات التسعينيات، والنصف الأول من العقد الأخير تحت حكم الرؤساء فيرناندو أنريك كاردوسو وثم لويس إيناسيو لولا دا سيلفا الذي هيمن على السياسة البرازيلية بالكاريزما التي يمتلكها. إلا أن مايكل ريد يجد أنه خلال فترة ولاية لولا الثانية وإدارة ديلما روسيف، بدأت الأمور تسير في طريق غير واضح، موضحاً الأسباب التي تقف خلف هذا الاختلال في المشهد السياسي البرازيلي، ومن بينها ما يسببه احتكار الرأسماليين والشركات الكبرى، وتطبيق سياسات الخصخصة الاقتصادية، فضلاً عن البيروقراطية التي تشكل حجر عثرة أمام التنمية.
ويقول مايكل ريد إن البرازيل دولة التفوق، بشكل جزئي بسبب حجمها الكبير ومساحتها البالغة ثمانية ملايين ونصف المليون كيلومتر مربع، ما يصنفها خامس أكبر دولة مساحة في العالم، وهي تعادل مساحة الولايات المتحدة وتقريباً تحتل نصف أراضي أمريكا الجنوبية. ويمكن لسكان الاتحاد الأوروبي ال28 أن يعيشوا بشكل مريح في أراضي البرازيل، وعدد سكانها البالغ 200 مليون نسمة يجعل منها رابع أكبر ديمقراطية في العالم. كما أن معدل إجمالي الإنتاج المحلي الذي يبلغ 2.4 تريليون دولار في 2012، يجعلها سابع أكبر اقتصاد على المستوى العالمي، متساوية مع بريطانيا وفق حسابات صندوق النقد الدولي. ويعد هذا البلد المصدر الثالث للغذاء على مستوى العالم، ومن المتوقع أن يحل مكان الولايات المتحدة ليصبح الأكبر على مستوى العالم بحلول 2025، وفقاً لتوقعات منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة «فاو». كما أن البرازيل دولة مكتفية ذاتياً من ناحية النفط، حيث حققت أكبر الاكتشافات المفاجئة في حقول النفط في القرن الحادي والعشرين تحت مياه جنوبي المحيط الأطلنطي، والتي من الممكن أن تجعلها أكبر مصدر بحلول 2020، فضلاً عن أنها من البلدان البارزة في الاعتماد على الوقود القائم على النبات، حيث نصف سياراتها تعمل على الإيثانول المأخوذ من قصب السكر. ووفقاً لدراسة أجرتها «فاو» تعد البرازيل الأغنى في المياه العذبة لحصة الفرد الواحد أكثر من أي بلد آخر في العالم. وهي تملك حوالي 70 بالمئة من غابات الأمازون المطيرة، وبالتالي فهي لاعب أساسي في النقاشات الدولية حول كيفية الإبطاء من الانبعاثات الكربونية والتخفيف من تغير المناخ. وجدير بالذكر أن البرازيل ليست فقط منتجة بسيطة للبضائع، بل صنفت سادس أكبر قوة تصنيعية في العالم 2010.
يوضح مايكل ريد أن الغرض الرئيسي من عمله هذا، هو محاولة تقديم تفسير لحالة البرازيل في الوقت الراهن، وللقيام بذلك اضطر إلى عقد لقاءات مع قيادات سياسية واقتصادية وتنموية واجتماعية، والعودة إلى التاريخ. ويقول: «إن البرازيل نسبياً بلد جديد، لكن في جوانب أخرى، لا يعد البرازيل بلداً جديداً جداً. فقد احتفظ على نطاق واسع بالحدود نفسها منذ الأزمنة الاستعمارية (على خلاف الولايات المتحدة). وهي دولة متأسسة من حيث القدم على نحو أكثر من ألمانيا أو إيطاليا. إن التعمق في دراسة تاريخ البرازيل يوضح مشكلاتها المعاصرة وطريقة عملها».
ينقسم الكتاب إلى مقدمة بعنوان «قوة جديدة» تتألف من فصلين هما: «صعود متعثر للبرازيل» و«طريقة الحياة البرازيلية»، وينقسم العمل إلى ثلاثة أقسام: يركز الكاتب في القسم الأول بعنوان: «تاريخ من الجغرافيا» على التاريخ، ويتناول المواضيع القاسية والمصاعب التي تلقي بظلالها على البرازيل اليوم، إحداها هي الصعوبة التي واجهتها البرتغال كقوة استعمارية ضعيفة نسبياً في الاستقرار وإبقاء سيطرتها على مستعمرتها الضخمة، ومخاوف أخرى هي الظروف الفريدة التي حصلت فيها البرازيل على الاستقلال في 1822، كما أن تجربة البرازيل كمستعمرة، ثم كملكية مستقلة أثرت في عادات الحكومة في البلاد، على الرغم من أنها تطورت في القرن الحادي والعشرين، حيث سعت بكل جهدها للنهوض اقتصادياً. أما الموضوع الثالث والأساسي فهو طريقة ممارسة العبودية على نطاق واسع واستيراد ملايين الأفارقة بالإكراه ميز مجتمع البرازيل وسياستها على نحو ثابت، وهو التفسير الوحيد الأكثر أهمية للاستمرار في حالات اللامساواة الاجتماعية فيها. وعلى الرغم من أن دولة البرازيل لم تمارس الفصل العنصري الذي مارسته الولايات المتحدة أو جنوب إفريقيا بحق السود، لكن نجد أن الكثير من الفقراء هم من ذوي البشرة السوداء. ويتألف هذا القسم من ثلاثة فصول هي: «تشكيل الشعب»، «من الملكية إلى جمهورية القهوة»، و«غيتوليو فارغاس والتنموية القومية»، و«الديكتاتورية الطويلة».
ويأتي القسم الثاني بعنوان «صناعة الديمقراطية البرازيلية»، يشير فيه الكاتب إلى أن الجمهورية الجديدة، سماها السياسيون «الديمقراطية المستعادة»، واجهت ثلاث مهام رئيسية هي: تفكيك بقايا الديكتاتورية، ترسيخ الحريات ودعم حكومة ديمقراطية مؤثرة، ومواجهة التضخم وضمان العودة إلى النمو الاقتصادي ومعالجة المشكلات الاجتماعية المترسخة للبلاد، إلا أن الجمهورية الجديدة استطاعت أن تقدم فقط الخيبات، حيث إن رئيسها الأول مات، والثاني تم عزله، وحكم نواب الرئيس لسبع سنوات من أصل عشر، وفي 1993 زاد التضخم وكثرت الانقسامات الاجتماعية وحل الفساد في كافة مفاصل الحياة السياسية، ويتحدث الكاتب عن كل ذلك في فصول هذا القسم وهي: «من الفوضى إلى التقدم تحت كاردوسو»، «لوليسمو والحلم البرازيلي»، «الطريق الطويل لمجتمع الطبقة الوسطى»، «النفط، الزراعة وأمازون»، «الرأسمالية الموجهة للبرازيل».
وتحت عنوان «آمال» يتحدث الكاتب في القسم الثالث المؤلف من «التطلعات العالمية والإحباطات»، «عملاق لم يتم إصلاحه بعد»، «قرن البرازيل؟»، كيف أن البرازيل رغم كل ما جرى، إلا أن الإعلام فيها وعدد كبير من منظمات المجتمع المدني، والمنظمات غير الحكومية، أبقت عيونها مفتوحة على الانتهاكات التي كانت تحدث للسلطة والمال العام. كما أن البرازيل كدولة كانت تملك أكثر هيئات التدقيق تأثيراً في أمريكا اللاتينية، مقارنة بتلك الموجودة في البلدان المتقدمة، حيث استطاعت أن تقدم باستمرار الأدلة على الأخطاء والانتهاكات التي كانت تحدث، وتحركت المحاكم بناء على هذه التقارير والوثائق المقدمة لها، وإن بشكل نسبي.
ويرى ريد في الختام أن الجماهير الغاضبة التي كانت تخرج في احتجاجات بالتزامن مع أهم الأحداث الرياضية طفح الكيل لديها كما يقال، رغم عشقها الكبير لكرة القدم، إلا أن عشقها ورغبتها في تحسين التربية والتعليم والصحة كان الأهم، ويرى الكاتب من خلال وجوده في البرازيل أن البرازيليين يجدون أنفسهم استثنائيين على غرار رؤية الأمريكيين لأنفسهم، ويتمنى ألا تبقى هذه البلاد التي أحبها كما وصفها جواكيم باربوسا الرئيس السابق للمحكمة العليا البرازيلية: «البرازيل بلد يعاقب العديد من الناس الفقراء والسود، وأولئك الذين لا ارتباطات لهم مع السلطة. يتم معاملة الناس بشكل مختلف، وفقاً لحالتهم الاجتماعية، ولون بشرتهم، والأموال التي يملكونها. أي شخص متنفذ يمكن أن يدفع لمحام له ارتباطات قوية في القضاء، بحيث يمكن له أن يحتفظ باتصالاته مع القضاة من دون أي تحكم من قبل المدعي العام أو المجتمع. ثم تجد قرارات مفاجئة اتخذت وأصدرت» الشيخ فلاح الجربا
بعد عقود من الحكم العسكري، تتمتع رابع ديمقراطية من الديمقراطيات الأكثر اكتظاظاً بالسكان، بقيادة إصلاحية فعالة تسعى إلى كبح جماح التضخم، وفتح البلاد على التجارة الحرة، ومواجهة الفقر والقضايا الاجتماعية الأخرى، مما يتيح للبرازيل أن تصبح أكثر من مشارك أساسي في الشؤون العالمية. ولكن في الوقت الذي استعدت فيه لاستضافة كأس العالم لكرة القدم في 2014 ودورة الألعاب الأولمبية 2016 التي تستضيفها في الوقت الراهن، شهدت البرازيل احتجاجات جماعية. يحاول هذا الكتاب العميق أن ينظر في المشكلات التي تقف في وجه البرازيل، حيث لا تزال هذه الدولة عاجزة بسياساتها عن القضاء على الفساد على نطاق واسع، ومعالجة بعض السياسات المختلة، فضلاً عن الجريمة العنيفة في مدنها، إلى جانب إنجازاتها المتمثلة في تقديم صورة مقربة تماماً من بلد ينبض بالحياة، وعلى وشك اتخاذ موقف قيادي على المسرح العالمي.
يشير ريد إلى أن شخصية البرازيل متفردة، إذ تجمع مزيجاً من الملامح الأوروبية والهندية والإفريقية، وبدرجة أقل اليابانية والشرق أوسطية، وعلى الرغم من هذا المزيج الهائل، فإنها أكثر قرباً للغرب من الصين والهند. وفوق كل هذا وذاك، فإنها من أكثر الأماكن في العالم التي يوجد فيها ترفيه، فضلاً عن موسيقاها الرائعة، وشهرتها العالمية بكرة القدم، كما أن الزائر لها يكتشف المطبخ الغني الذي تتميز به، والطبيعة الخلابة فيها.
يذكر الكاتب أن البرازيل بكل غناها، تعاني في الوقت ذاته بعض الجوانب الإشكالية، خاصة التفاوت الطبقي بين النخبة الثرية التي تتحكم بمفاصل الكثير من الأمور في الدولة، والطبقة الشعبية التي تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة، وخاصة في شمال شرق البرازيل، والتي تكون خارج الخريطة السياحية لأي زائر بسبب أعمال العنف فيها، ويمكن تصنيف البرازيل من بين أخطر البلدان في العالم، حيث يكون فيها الفقراء ضحية عنف الجرائم أكثر من الطبقة الوسطى.
ويعزو السبب إلى أن ريو دي جانيرو ببساطة أصبحت طريق النقل الرئيسي للكوكايين من كولومبيا إلى أوروبا، حيث تشكلت عصابات تهريب المخدرات من الشباب، وأصبحت هناك حروب فرعية خارجة عن سيطرة الشرطة وقوة فرض القانون التي أصبحت مشاركة في هذه اللعبة القذرة. كما أن الحرب الأمريكية على المخدرات تودي بحياة آلاف البرازيليين سنوياً، على غرار ما يجري في المكسيك.
ووسط هذه التحديات يحاول الكاتب أن يبين إذا ما كانت البرازيل كبلد له طموحات بأن يصبح قوة عظمى ذات تأثير عالمي، يستطيع تجاوز هذه التحديات الأمنية إلى جانب تعزيز قطاع الصحة والتربية والتعليم والبنية التحتية والمواصلات، وإذا ما كان يستطيع أن يحتل مكانة اقتصادية مؤثرة له تناسب إمكاناته الاقتصادية الهائلة، ويشير إلى أن استضافة كأس العالم في 2014، كان التحدي الأول في ضبط الأمن، والألعاب الأولمبية المقامة حالياً تشكل أيضاً التحدي الثاني، خاصة أن هناك احتجاجات مستمرة، وحالات عنف لم تتوقف.
يبين الكاتب أن البرازيل كانت تسير في الطريق الصحيح على الصعيد السياسي، حيث كانت تتجه في مسار إيجابي أواخر سنوات التسعينيات، والنصف الأول من العقد الأخير تحت حكم الرؤساء فيرناندو أنريك كاردوسو وثم لويس إيناسيو لولا دا سيلفا الذي هيمن على السياسة البرازيلية بالكاريزما التي يمتلكها. إلا أن مايكل ريد يجد أنه خلال فترة ولاية لولا الثانية وإدارة ديلما روسيف، بدأت الأمور تسير في طريق غير واضح، موضحاً الأسباب التي تقف خلف هذا الاختلال في المشهد السياسي البرازيلي، ومن بينها ما يسببه احتكار الرأسماليين والشركات الكبرى، وتطبيق سياسات الخصخصة الاقتصادية، فضلاً عن البيروقراطية التي تشكل حجر عثرة أمام التنمية.
ويقول مايكل ريد إن البرازيل دولة التفوق، بشكل جزئي بسبب حجمها الكبير ومساحتها البالغة ثمانية ملايين ونصف المليون كيلومتر مربع، ما يصنفها خامس أكبر دولة مساحة في العالم، وهي تعادل مساحة الولايات المتحدة وتقريباً تحتل نصف أراضي أمريكا الجنوبية. ويمكن لسكان الاتحاد الأوروبي ال28 أن يعيشوا بشكل مريح في أراضي البرازيل، وعدد سكانها البالغ 200 مليون نسمة يجعل منها رابع أكبر ديمقراطية في العالم. كما أن معدل إجمالي الإنتاج المحلي الذي يبلغ 2.4 تريليون دولار في 2012، يجعلها سابع أكبر اقتصاد على المستوى العالمي، متساوية مع بريطانيا وفق حسابات صندوق النقد الدولي. ويعد هذا البلد المصدر الثالث للغذاء على مستوى العالم، ومن المتوقع أن يحل مكان الولايات المتحدة ليصبح الأكبر على مستوى العالم بحلول 2025، وفقاً لتوقعات منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة «فاو». كما أن البرازيل دولة مكتفية ذاتياً من ناحية النفط، حيث حققت أكبر الاكتشافات المفاجئة في حقول النفط في القرن الحادي والعشرين تحت مياه جنوبي المحيط الأطلنطي، والتي من الممكن أن تجعلها أكبر مصدر بحلول 2020، فضلاً عن أنها من البلدان البارزة في الاعتماد على الوقود القائم على النبات، حيث نصف سياراتها تعمل على الإيثانول المأخوذ من قصب السكر. ووفقاً لدراسة أجرتها «فاو» تعد البرازيل الأغنى في المياه العذبة لحصة الفرد الواحد أكثر من أي بلد آخر في العالم. وهي تملك حوالي 70 بالمئة من غابات الأمازون المطيرة، وبالتالي فهي لاعب أساسي في النقاشات الدولية حول كيفية الإبطاء من الانبعاثات الكربونية والتخفيف من تغير المناخ. وجدير بالذكر أن البرازيل ليست فقط منتجة بسيطة للبضائع، بل صنفت سادس أكبر قوة تصنيعية في العالم 2010.
يوضح مايكل ريد أن الغرض الرئيسي من عمله هذا، هو محاولة تقديم تفسير لحالة البرازيل في الوقت الراهن، وللقيام بذلك اضطر إلى عقد لقاءات مع قيادات سياسية واقتصادية وتنموية واجتماعية، والعودة إلى التاريخ. ويقول: «إن البرازيل نسبياً بلد جديد، لكن في جوانب أخرى، لا يعد البرازيل بلداً جديداً جداً. فقد احتفظ على نطاق واسع بالحدود نفسها منذ الأزمنة الاستعمارية (على خلاف الولايات المتحدة). وهي دولة متأسسة من حيث القدم على نحو أكثر من ألمانيا أو إيطاليا. إن التعمق في دراسة تاريخ البرازيل يوضح مشكلاتها المعاصرة وطريقة عملها».
ينقسم الكتاب إلى مقدمة بعنوان «قوة جديدة» تتألف من فصلين هما: «صعود متعثر للبرازيل» و«طريقة الحياة البرازيلية»، وينقسم العمل إلى ثلاثة أقسام: يركز الكاتب في القسم الأول بعنوان: «تاريخ من الجغرافيا» على التاريخ، ويتناول المواضيع القاسية والمصاعب التي تلقي بظلالها على البرازيل اليوم، إحداها هي الصعوبة التي واجهتها البرتغال كقوة استعمارية ضعيفة نسبياً في الاستقرار وإبقاء سيطرتها على مستعمرتها الضخمة، ومخاوف أخرى هي الظروف الفريدة التي حصلت فيها البرازيل على الاستقلال في 1822، كما أن تجربة البرازيل كمستعمرة، ثم كملكية مستقلة أثرت في عادات الحكومة في البلاد، على الرغم من أنها تطورت في القرن الحادي والعشرين، حيث سعت بكل جهدها للنهوض اقتصادياً. أما الموضوع الثالث والأساسي فهو طريقة ممارسة العبودية على نطاق واسع واستيراد ملايين الأفارقة بالإكراه ميز مجتمع البرازيل وسياستها على نحو ثابت، وهو التفسير الوحيد الأكثر أهمية للاستمرار في حالات اللامساواة الاجتماعية فيها. وعلى الرغم من أن دولة البرازيل لم تمارس الفصل العنصري الذي مارسته الولايات المتحدة أو جنوب إفريقيا بحق السود، لكن نجد أن الكثير من الفقراء هم من ذوي البشرة السوداء. ويتألف هذا القسم من ثلاثة فصول هي: «تشكيل الشعب»، «من الملكية إلى جمهورية القهوة»، و«غيتوليو فارغاس والتنموية القومية»، و«الديكتاتورية الطويلة».
ويأتي القسم الثاني بعنوان «صناعة الديمقراطية البرازيلية»، يشير فيه الكاتب إلى أن الجمهورية الجديدة، سماها السياسيون «الديمقراطية المستعادة»، واجهت ثلاث مهام رئيسية هي: تفكيك بقايا الديكتاتورية، ترسيخ الحريات ودعم حكومة ديمقراطية مؤثرة، ومواجهة التضخم وضمان العودة إلى النمو الاقتصادي ومعالجة المشكلات الاجتماعية المترسخة للبلاد، إلا أن الجمهورية الجديدة استطاعت أن تقدم فقط الخيبات، حيث إن رئيسها الأول مات، والثاني تم عزله، وحكم نواب الرئيس لسبع سنوات من أصل عشر، وفي 1993 زاد التضخم وكثرت الانقسامات الاجتماعية وحل الفساد في كافة مفاصل الحياة السياسية، ويتحدث الكاتب عن كل ذلك في فصول هذا القسم وهي: «من الفوضى إلى التقدم تحت كاردوسو»، «لوليسمو والحلم البرازيلي»، «الطريق الطويل لمجتمع الطبقة الوسطى»، «النفط، الزراعة وأمازون»، «الرأسمالية الموجهة للبرازيل».
وتحت عنوان «آمال» يتحدث الكاتب في القسم الثالث المؤلف من «التطلعات العالمية والإحباطات»، «عملاق لم يتم إصلاحه بعد»، «قرن البرازيل؟»، كيف أن البرازيل رغم كل ما جرى، إلا أن الإعلام فيها وعدد كبير من منظمات المجتمع المدني، والمنظمات غير الحكومية، أبقت عيونها مفتوحة على الانتهاكات التي كانت تحدث للسلطة والمال العام. كما أن البرازيل كدولة كانت تملك أكثر هيئات التدقيق تأثيراً في أمريكا اللاتينية، مقارنة بتلك الموجودة في البلدان المتقدمة، حيث استطاعت أن تقدم باستمرار الأدلة على الأخطاء والانتهاكات التي كانت تحدث، وتحركت المحاكم بناء على هذه التقارير والوثائق المقدمة لها، وإن بشكل نسبي.
ويرى ريد في الختام أن الجماهير الغاضبة التي كانت تخرج في احتجاجات بالتزامن مع أهم الأحداث الرياضية طفح الكيل لديها كما يقال، رغم عشقها الكبير لكرة القدم، إلا أن عشقها ورغبتها في تحسين التربية والتعليم والصحة كان الأهم، ويرى الكاتب من خلال وجوده في البرازيل أن البرازيليين يجدون أنفسهم استثنائيين على غرار رؤية الأمريكيين لأنفسهم، ويتمنى ألا تبقى هذه البلاد التي أحبها كما وصفها جواكيم باربوسا الرئيس السابق للمحكمة العليا البرازيلية: «البرازيل بلد يعاقب العديد من الناس الفقراء والسود، وأولئك الذين لا ارتباطات لهم مع السلطة. يتم معاملة الناس بشكل مختلف، وفقاً لحالتهم الاجتماعية، ولون بشرتهم، والأموال التي يملكونها. أي شخص متنفذ يمكن أن يدفع لمحام له ارتباطات قوية في القضاء، بحيث يمكن له أن يحتفظ باتصالاته مع القضاة من دون أي تحكم من قبل المدعي العام أو المجتمع. ثم تجد قرارات مفاجئة اتخذت وأصدرت» الشيخ فلاح الجربا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق